ضمن عملية "الوعد الصادق 3"

الرد الإيراني يقلب المعادلة... ما زرعته إسرائيل في غزة تحصده في عمقها

الرد الإيراني يقلب المعادلة... ما زرعته إسرائيل في غزة تحصده في عمقها
تقارير وحوارات

الاستقلال/ خاص:
في سابقة خطيرة، قلب الرد الإيراني الطاولة على الاحتلال، بعد أن دوّى صدى صواريخ طهران في قلب المدن الفلسطينية المحتلة، كما كانت تُقصف غزة لسنوات. مشاهد الرعب التي كانت تُبثّ من غزة، خرجت هذه المرة من تل أبيب وريشون لتسيون، لترسم ملامح معادلة ردع جديدة لا تعرف الخطوط الحمراء.
وكشف محللون سياسيون كيف كسر الرد الإيراني وهم "الجيش الذي لا يُقهر"، مؤكدين أن هذا التحول الاستراتيجي انعكس بوضوح على واقع غزة ومقاومتها، وفتح الباب أمام تحالف ردع جديد تتراجع فيه قدرة إسرائيل على الاستفراد بأي ساحة من ساحات المواجهة.
ويؤكد هؤلاء، في أحاديث منفصلة مع صحيفة "الاستقلال"، أن العملية الإيرانية وضعت إسرائيل أمام معادلة جديدة: فإما التورط في مواجهة مفتوحة مع طهران على جبهات متعددة، أو القبول بالتهدئة وفق شروط لم تعد تملك وحدها تحديدها.
وبدأت طهران عملية "الوعد الصادق 3" يوم الجمعة، في ردٍّ غير مسبوق على استهداف الاحتلال الإسرائيلي لعدد من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، وعلماء بارزين، ومواطنين أبرياء، لا سيما من الأطفال، حيث أطلقت مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه مواقع عسكرية ومنشآت استراتيجية وقواعد جوية في العمق الإسرائيلي، أبرزها مقر وزارة الحرب ومراكز حكومية أخرى.
وعلى إثر الرد الإيراني، انطلقت صافرات الإنذار في معظم المدن الإسرائيلية الكبرى، وتوقفت حركة الملاحة الجوية، في حين سُجّلت أضرار جسيمة في منشآت حيوية هامة، حيث كشفت الصور القادمة من تل أبيب ومحيطها، ومنطقة النقب ووسط الكيان، عن أبنية سكنية مدمّرة، ومركبات محترقة، وبنية تحتية منهارة، في مشهد يحاكي يوميات الفلسطينيين في قطاع غزة طوال عشرين شهرًا من حرب الإبادة الجماعية المستمرة التي يشنّها الاحتلال.
رسائل استراتيجية
في السياق، أكّد الكاتب والمحلل السياسي عدنان الصباح، أن الرد الإيراني الأخير على "إسرائيل" مثّل نقطة تحوّل استراتيجية في الصراع الإقليمي، مشيرًا إلى أن المشاهد التي كانت تخرج من غزة بفعل العدوان الإسرائيلي، ظهرت الآن في قلب تل أبيب ومدن فلسطينية محتلة مركزية، في مشهد وصفه بأنه "انقلاب في قواعد الاشتباك ورمزية الصراع".
ورأى الصباح، خلال حديثه مع صحيفة "الاستقلال"، أمس الأحد، أن الاحتلال الإسرائيلي يتلقى اليوم ما اعتاد إنزاله في غزة من صواريخ تضرب البنى التحتية، وملاجئ مكتظة، وطيران مشلول، وكهرباء مقطوعة، وذعر في الشوارع، موضحًا أن هذا التطور "لم يكن مجرد رد عسكري من طهران، بل ضربة نفسية عميقة هزّت صورة جيش الاحتلال في الداخل والخارج".
وبيّن أن جيش الاحتلال يعيش أزمة هيبة منذ 7 أكتوبر، وجاءت العملية الإيرانية لتُعمّق هذا الانهيار، مردفًا: "الاحتلال راهن على سحق غزة واستعادة الردع، لكنه فشل في غزة، وها هو الآن يتلقى الصفعة من إيران، وكل الجبهات التي تحدث عنها نتنياهو باتت مشتعلة فعليًا".
وأوضح الصباح أن الرد الإيراني حمل رسائل استراتيجية، أهمها أن إيران استعادت توازنها بسرعة، وأثبتت أنها لا تُكسر بسهولة، وأنها دخلت خط المواجهة بشكل مباشر لدعم محور المقاومة، مضيفًا أن غزة لم تعد وحدها، واليمن لم يعد معزولًا، ولبنان ما زال صامدًا، والآن إيران تدخل بقوة لتقول: "المعركة ليست فقط على أرض فلسطين، بل في عمق دولة الاحتلال".
وتوقف عند ما وصفه بـ"الأثر المعنوي العميق" الذي خلّفه الرد الإيراني على الحالة الفلسطينية، قائلًا إن هذه العملية أنعشت الروح المعنوية للمقاومة في غزة، ومنحتها غطاءً إقليميًا واضحًا، مؤكدًا أن المعركة باتت شاملة، ولم يعد ممكنًا أن تستفرد إسرائيل بغزة بينما مدنها تحترق.
ولفت الصباح إلى أن استمرار هذه الهجمات على الداخل الإسرائيلي قد يؤدي إلى شرخ داخلي واسع، في ظل عجز حكومة "نتنياهو" عن تأمين الحياة اليومية للمستوطنين، مشيرًا إلى أن انقطاع المياه، وشلل المواصلات، وتوقف التجارة، ستُنتج حالة غليان داخلي لا يمكن التحكم بها.
واعتبر أن إسرائيل تقف الآن أمام مفترق طرق خطير، قائلًا: "إما أن تتجه نحو وقف إطلاق النار وتدخل في تفاوض شامل، أو تستمر في الانحدار نحو حرب استنزاف طويلة لا تستطيع تحمّلها".
وشدّد المحلل السياسي على أن الرد الإيراني لم يكسر فقط الصلف الإسرائيلي، بل أيضًا الغطرسة الأميركية، مؤكدًا أن واشنطن، التي اعتادت أن تلوّح بالعصا وتفرض الطاعة، فوجئت بأن طهران لا تذهب إلى المفاوضات، بل تذهب إلى قصف تل أبيب.
أزمة متفاقمة
واعتبر المحلل السياسي فايز سويطي، أن الرد الإيراني الأخير شكّل نقطة تحوّل كبرى في قواعد الاشتباك، مؤكدًا أن طهران باغتت الجميع، من مراقبين إلى خصوم، بسرعة تحركها وحجم الرد.
وقال سويطي، في حديث خاص مع صحيفة "الاستقلال"، أمس الأحد، إن الرد الإيراني أتى خلال أقل من عشرين ساعة على الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف قيادات عسكرية إيرانية، رغم الخسارة الكبيرة في الصف الأول من القادة، ما يعكس – بحسب تعبيره – "صرامة القرار الإيراني ووضوحه، وقوة منظومته العسكرية التي أربكت الأعداء قبل الحلفاء".
ورأى سويطي أن صورة إسرائيل كدولة لا تُقهر "اهتزّت بقوة"، ليس فقط أمام شعبها وقادتها، بل أمام المجتمع الدولي الذي تابع الضربات بدقة. وأضاف أن تل أبيب بدت "كبيت العنكبوت" بعد القصف، حيث سارعت إلى طلب الحماية من الولايات المتحدة والدول الحليفة، في مشهد يعكس هشاشة الكيان، ويثبت – كما قال – "أن هذا الكيان المصطنع يمكن أن يتلاشى بسهولة إذا كُسرت هيبته العسكرية".
وحول طبيعة الأهداف الإيرانية، شدّد سويطي على أن طهران لم تتعمد قصف المدنيين، بل كانت الضربات موجّهة نحو منشآت عسكرية ومراكز أبحاث، ومواقع تابعة لوزارة الحرب الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن وقوع بعض الضحايا المدنيين كان نتيجة اقترابهم من هذه المواقع الحساسة.
وأشار إلى أن تل أبيب باتت في ورطة حقيقية، خاصة في ظل الحرب المفتوحة على غزة، لافتًا إلى أنها لم تعد تملك القدرة على خوض معركتين متزامنتين، فإيران "دولة كبيرة بقدرات عسكرية واقتصادية تجعلها قادرة على الصمود سنوات، بينما لا يمكن لإسرائيل أن تتحمّل حربًا شهرًا واحدًا دون دعم مباشر".
وتوقّع سويطي أن إسرائيل ستسعى قريبًا إلى التهدئة، وربما ستطلب من حلفائها أو أطراف إقليمية التدخل لعقد هدنة تحفظ لها ماء الوجه، بعد أن أدركت أنها لم تعد الطرف الوحيد الذي يملك قرار القصف دون رد.

التعليقات : 0

إضافة تعليق